الأربعاء، 28 يناير 2009

فلتنفضي عنك الغبار يا غزة

فلتنفضي عنك الغبار يا غزة ولتنهضي بثوب العزة
بقلم:الاء خطيب

" مجزرة " اسم ٌ لجنين جارت عليها أحقاد ٌُ وغزوات , حملها بطن أمها وحماها من النكبات , وعندما حان موعدها لتخوض التجربات , لم تر نور الحياة , بل عانقت ظلام الممات , وأصبحت مكبلة بلا رحمة أو حتى مسح للدمعات , لكن هيهات هيهات في عالم حاقد لا يميز بين الجاني والتضحيات , فالذهاب لبارئها أفضل لها من العيش في وسط المجازر والضربات(*).

فالشعب الفلسطيني يحمل رقما ً قياسيا ً في عدد النكبات فهو يودع شهيدا ً ويزف آخر وسط عويل الثكلى ووداع الأبناء بالصرخات وضيق مقابر ٍ لم تعد تستطع تحمل الأزمات , فما أن تكاد الذاكرة مسح صور ٍ مروعة ٍ من مجزرة تلذذ مرتكبها بأشلاء أطفالها وعويل نسائها حتى يعود الشريط ويبث نفس الصور ونفس المعاناة مع اختلاف التوقيت والزمان.
وآخر مسلسل ٍ أحمر جلس يشاهده العالم بأسره يتألف هذه المرة من أكثر من عشرون حلقة, الزمان : زمن ُ تشويه الحقائق ومساواة الجاني بالضحية , المكان : غزة الصمود والعزة , الضحية : شعب أعزل تعود على القتل والدمار , الجاني: " واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط ".
جلست كغيري أتابع حيثيات هذا المسلسل المحزن المبكي, وما بيدي من حيلة غير البكاء والدعاء وما يلفت الانتباه خلال أحداث غزة مسألة الأرقام فقد كنا ننام على رقم ٍ ونستفيق عليه مضاعفا ً دون أن تلقى تلك الأرقام أي أهمية من ما يسمون أنفسهم " ولاة الأمة " وباعتقادي أنهم ليسوا ولاة بل جلبوا الويلات على هذه الأمة .
وبالرغم من المآسي المروعة التي حلت بأهل غزة من قتل ودمار وقلع ٍ للأشجار إلا أننا شاهدنا شعبا ً جبارا ً وكّل أمره للمولى عز وجل ولم يكترث لهدم المنازل ولا للعدد الكبير للضحايا فالله أعطى والله أخذ.
وفي الأيام الأخيرة شاهد الجميع كيف انتهت حيثيات هذا المسلسل , وباعتقادي الشخصي أن هدفا ً واحدا ً مما أعلن عنه لم يتحقق ففي أثناء حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي عن نجاحهم بمنع وتدمير كافة منصات الصواريخ الفلسطينية كانت الصواريخ لا تزال تسقط على المستوطنات الإسرائيلية , والأدهى من ذلك أن التفاف الشارع الفلسطيني حول قيادته ازداد وعظم على عكس ما توقع المحللون الإسرائيليون , فماذا حققت إسرائيل في حربها على غزة ! هل تعتبر جثة طفل محترق أو رجل ٍ مشوه المعالم انجاز ! هل عقر بطن الحوامل وقتل الأجنة في بطون أمهاتهم انجاز ! هل هدم المنازل فوق ساكنيها ودفنهم أحياء انجاز ! يمكن أن يكون الجواب نعم لدى بعض العطشى والذي لا يرويهم غير الدماء والأشلاء.
فغزة اليوم أصبحت اسم يتردد على لسان الأطفال قبل الكبار , فقد زرعت فينا روح الهيبة والعزة , ولها قلبنا اهتز ومشاعرنا بالحب لها اكتنز , فعذرا ً غزة لأننا جلسنا نشاهد شلال الدماء وقتل الأبرياء ولم نملك لك غير الدعاء بأن اللهم خفف عنهم ويلات هذا الابتلاء , فعلى مر التاريخ كنت أنت يا غزة نبع شهامة وعزة وكنت تنهضي كل مرة من تحت الركام وتستعيدي قواك فأرضك تصرخ مقاومة وشعبك مشبع ُ بالحرية والكرامة , ونعلم صدقا ً أن هذا المسلسل الذي كنتم أبطاله لم يكن الأكثر دموية في تاريخك الملء بأنهار الدماء , ونعلم انه في كل مرة كنت تنهضين من تحت الركام أكثر قوه وعزيمة وإصرار على العيش كباقي البشر على هذا الكون ودعوتي لك بأن انفضي عنك غبارك يا غزة ولتنهضي بثوب الكرامة والعزة " , لأن فيك شعبا ً لا يرضى الا أن يعيش حر ا ً غير مقيدٍ ومصفد .
والى الذين اعتقدوا ان مسلسل التهجير الذي وقعت أحداثه عام ثمانية وأربعون يمكن أن يكتب له جزءا ً آخر عام ألفين وتسعة أقول : هذه أرضنا وبها باقون . ما بقي الزعتر والزيتون , هنا باقون ما بقيت آيات الإسراء وما بقي اللوح المكنون , وسينبت برعمنا اقوى من كل المسكر والأفيون , وسنظهر من جبل الكر مل من زهر الفيجن والليمون , في كل سنابل بيت المقدس أغنية ُ تنشد هنا باقون.
* هذه الصورة واقعية لطفلة تم إخراجها من رحم امها عقب استشهادها مباشرة بعد ان قتلها الجيش الذي يتمتع " بأعلى المقاييس الإنسانية " وفضل والدها إطلاق اسم مجزرة عليها لتكون شاهدا ً على الإرهاب الذي يتعرض له حتى الأجنة في بطون أمهاتهم.

ليست هناك تعليقات: